القائمة الرئيسية

الصفحات

علم التجويد - الأحرف السبعة



        

                               الأحرف السبعة



 الأحرف السبعة

تمهيد

تثير قضية نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف خلافا كبيرا بين أهل الحديث وعلماء اللغة، حتى أننا نجد غيرهم يُحمل الحديث مضمونا لا يمت لحقيقته بصلة، فينسب اختلاف التفاسير لاختلاف الأحرف أو يجمع بين مفهوم الأحرف السبعة والقراءات السبع، وهناك من يشكك في حقيقة العدد سبعة، بل نجد أيضا من يَحمل الحديث على ظاهره فيشرع أن يقرأ القرآن بغير لفظه، وقد أحصى ابن حبان في هذه القضية خمسة وثلاثين قولا، وأحصى فيها السيوطي أربعين قولا، ثم زادها الملا علي الحنفي قولا لتصبح واحد وأربعين قولا، لم تسلم كلها من النقد، ما يعني أن الخلاف حول المسألة كبير.

إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، حديث متفق على صحته مختلف في معناه، فكيف تم النزول؟ وما دلالة العدد سبعة؟ ثم ما مفهوم الأحرف؟

 

النزول

كان نزول القرآن على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نزولا منجما بوقائع وقضايا، وكذلك صحب نزوله على سبعة أحرف سياقات معينة، ذكرها النبي عليه السلام في حديث ابن العباس رضي الله عنهما أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف".1 ص 23 

ارتبط هذا الحديث بسياق اختلاف الصحابة في قراءة القرآن، ليس بمعنى طريقة تلاوته إنما اختلفوا في ألفاظه، نجده في عدة أحاديث منها ما رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حيث قال: حدثنا يزيد ويحيى بن سعيد كلاهما عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن أبي بن كعب قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله ﷺ فقال: أقرأنيها رسول الله له، فأمن رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: «نعم»، وقال الآخر: أليس تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: «نعم». فقال: «إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف، وقد رواه النسائي من حديث يزيد.

نفهم من الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلن عن نزول القرآن على سبعة أحرف إلا حين اختلف الصحابة في قراءته، وقد ثبت أن النبي عليه السلام كان يقرئ نقلة الوحي بقراءات مختلفة، فأقرأ أبي بن كعب بقراءة تخالف ما أقرأ بها عبد الله بن مسعود، " عن أبي بن كعب، قال: «قرأت آية، وقرأ ابن مسعود خلافها، فأتيت النبي، فقلت: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: بلى. فقال ابن مسعود: ألم تقرننيها كذا وكذا؟ فقال: بلى، كلاكما محسن مجمل. قال: فقلت له، فضرب صدري، فقال: يا أبي بن كعب، إني أقرئت القرآن، فقلت على حرفين فقال: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي على ثلاثة، فقلت: على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت غفورا رحيما، أو قلت: سميعا عليما، أو عليما سميعا، فالله كذلك، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب".2    


توضح الأحاديث السابقة وغيرها الكثير أن نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف هو نزول حقيقي من جبريل إلى الني، واتفق العلماء على ذلك، لكن الخلاف يقوم حول دلالة العدد، ومفهوم الأحرف.

 

دلالة العدد

كان معلوما لدى العرب أن العدد سبعة يستخدم للتعبير عن الكثرة، فشكو في العدد ضمن الحديث المصرح به، هل يراد به الكثرة أم حقيقة العدد؟  لكن جمهور العلماء اتفقوا على أنه حقيقة العدد، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، "عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرأني جبريل عليه السلام على حرف فرجعته، فزادني، فلم أزل أستزيده حتى أقرأني على سبعة أحرف، فلما ذكر غير السبعة من الأعداد- وقال حرف - دل ذلك على حقيقة العدد.

وفي صحيح مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبي، أرسل إلي اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية، اقرأ على حرفين، فرددته أن هون على أمتي، فرد علي الثالثة أن اقرأ على سبعة أحرف".

فلما ذكر عليه الصلاة والسلام الثانية والثالثة دل ذلك على حقيقة العدد، لكن ليس المراد أن القرآن نزل على سبعة أحرف في مجمله بل في معظمه.

 

المفهوم

1- عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبي، إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. قلت: على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال: الملك الذي معي: قل على ثلاثة. قلت: على ثلاثة. حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت: سميعاً عليماً، عزيزاً حكيماً، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب.3 ص 25

حاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفسر لأصحابه معنى الأحرف، وكان التركيز في الأحاديث المنقولة عنه على هدف واحد وهو أن هذه الأحرف لا تخل بالمعنى، كذلك لا تعطي دلالات متعددة للشيء الواحد، وان اعترض اللغويون بعدم وجود ترادف في أسماء الله الحسنى، لأن كل اسم يدل على صفة لا يحملها الاسم الآخر، فهذا صحيح؛ لا ترادف في صفات الله عز وجل، لكنها أسماء لمسمى واحد، وبالتالي فكلها تحيل على ذات الله، إلا أننا نجد في نقل آخر إحالة على مضمون المعاني المتعددة بألفاظ مختلفة؛

2- عن أبي بكرة: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي ﷺ قال: «أتاني جبريل وميكائيل عليهما السلام، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف واحد فقال میکائیل استزده فقال: اقرأ على سبعة أحرف كلها شاف كاف، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب برحمة. وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كُريب، عن زيد بن الحباب، عن حماد بن سلمة به، وزاد في آخره: كقولك: هلم وتعال.4 ص25

هناك من العلماء من حمل هذا الحديث على ظاهره، وقالوا إذا قرأ الإنسان بلفظ من عنده وافق معنى القرآن فقد أصاب، من بين من انتقدوا هذا القول بن الأنباري فكان رده: لو جاز أن يقرأ الإنسان بألفاظ تخالف لفظ القرآن إذا كانت تقارب معانيها وتشتمل على عامتها، لجاز أن يقرأ في موضع "الحمد لله رب العالمين" الثناء للباري ملك المخلوقين، ويتسع هذا الأمر حتى يبطل جميع لفظ القرآن، ويكون التالي للقرآن مفتر على الله عز وجل.5

إذن ما المراد من الأحرف السبعة؟

3- ن المراد بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هي لغات سبع من لغات العرب الفصيحة منحصرة في مضر وهي: قريش وتميم وهديل وضبة وكنانة وقيس وبنوا أسد، وقد روى الطبري بأسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما كنت أدري ما "فاطر السماوات والأرض"، حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها، أي ابتدأتها، فكيف تكون لغة قريش وابن عباس لا يعرفها؟ وقال ما كنت أدري ما "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين"، حتى جاءت ابنة ذي يزن تخاصم زوجها وتقول: تعال أفاتحك.

اتفق العلماء على أن المراد من قول عثمان بن عفان: إن القرآن أنزل بلغة قريش لا يعني أنه لم يتضمن من لغات العرب شيء، بل يعني أنه نزل في معظمه وأكثره بلغة قريش، والدليل أنه الله عز وجل قال: "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" ولم يقل قرشيا.

 خلاصة

نفهم من خلال ما سبق أن القرآن نزل على الأحرف السبعة في معظمه وليس مجمله، وهي لغات منحصرة في مضر، استجابة من الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن طلب رفع المشقة عن أمته، وبعد دخول العجم الإسلام تدخل الخليفة عثمان ابن عفان فجمعه على حرف واحد مخافة الفتنة، وأمر أن يكتبوه بلغة قريش من بين عرب بنوا النظر6  ، فعلى سبيل المثال لا الحصر استبدل الصوف المنفوش في قراءة عبد الله ابن مسعود بالعهن المنفوش، والصوف هو العهن نفسه وليس معنا يقاربه، إلا أننا نجد أقوالا كثيرة  في هذا الباب كون الخلاف لم ينحصر في الألفاظ فقط، بل ال الأصوات والحركات، لكن المهم  في هذه القضية هو أن  الإختلافات سواء على مستوى اللفظ أو الأصوات أو حتى الحركات، بعامل القبلية أو عوامل أخرى لا تخل بمقاصد الآي ولا تغير في معنى القرآن.

لابد أن نشير أيضا إلى أن مفهوم الأحرف السبع فسر بمعنى القراءات السبع قبل أن تصير عشرا، وقد رجح هذا القول مجموعة من العلماء، فإذا اعتبرنا أن الخليفة عثمان بن عفان جمع الألفاظ على حرف واحد، فهل يمكن أن يكون الاختلاف في القراءات وأغلبه اختلاف أصوات وصفات ومدود مرده إلى اختلاف الأحرف العربية؟ ثم بافتراض ذلك، هل يمكن أن نجمع القراءات أيضا على حرف واحد؟

 

 

 

 

 


تعليقات