القائمة الرئيسية

الصفحات

الصرف - الدرس الأول

 








 

      مدخل إلى علم الصرف


 تمهيد          

ربما، كوننا أصحاب هذا اللسان، وتعودُنا على تصريف الكلمات واشتقاق الصيغ باكرا، دون عجز وأحيانا دون تفكير، شكل حجابا يحول بيننا وبين الاستفهام عن آلية هذا الاشتقاق، كيف نتمكن من انتاج الصيغ دون إدراك للمنظومة التي نسير وفقها؟ بينما نحن في أتم الحاجة إلى اكتشاف هندسة هذا النسق كي نتمكن من تطوير لسانه، قال أبو عثمان ابن جني رحمه الله: "وهذا القبيل من العلم أعني التصريف، يحتاج إليه جميع أهل العربية أتم الحاجة، وبهم إليه أشد فاقة، لأنه ميزان العربية وبه تعرف أصول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليها ولا يوصل إلى معرفة الاشتقاق إلا به"1 .


تعريف التصريف: Morphologie

التصريف لغة: هو التحويل والتغيير والتقليب من شكل إلى آخر، اصطلاحا: هو من أهم مستويات اللسان العربي وأحوجها إلى الدراسة، يعرفه ابن جني: "معنى قولنا التصريف هو أن تأتي إلى الحروف الأصول - وسنوضح قولنا "الأصول"- فتتصرف فيها بزيادة حرف، أو تحريف بضرب من ضروب التغيير نحو قولك: ضرب-يضرب-ضربا..، فذلك هو التصرف فيها والتصريف لها"2، بينما يعرفه ابن الحاجب على أنه "علم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلم، التي ليست بإعراب"3


من المهم جدا أن نقف عند قول ابن جني: سنوضح قولنا "الأصول"، حيث أن هذه الكلمة "أصول" يراد بها اطلاقان في الدرس الصرفي، فنجد ابن جني يوضح قوله الأصول بمعنى الحروف الثابتة التي لا تتغير عند تصريف الكلمة، بينما يطلق ابن الحاجب في التعريف السابق مفردة أصول على القوانين الكلية المنطبقة على الجزئيات، ومن خلال توضيح معنى المفردة اتضح لنا أن علم التصريف، يشمل مجالين مختلفين من حيث الهدف وطريقة المعالجة، مجال يهتم بآلية تشكيل الكلمة وهو ما حدده تعريف ابن جني، ومجال يهتم بالتحولات التي تطرأ على هذه الكلمة بعد التشكيل كما جاء عند ابن الحاجب. 


تعريف الاشتقاق: Dérivation

الاشتقاق لغة فهو "أخد شق الشيء" أي نصفه، أو جانب منه، ومنه قالوا: "اشتق الفرس في عدوه" يريدون أنه مال في أحد شقيه، وقالوا "قعدوا في شق من الدار" يريدون في ناحية منها.

أما معنى الاشتقاق اصطلاحا فهو " أخذ كلمة من أخرى؛ لمناسبة بين الكلمتين في المعنى، ولو مجازا"4.


حروف الزيادة

هي عشرة أحرف: الألف والياء والواو والهمزة والميم والهاء والسين واللام.

معناها: "التي تجوز أن تزاد في بعض المواضع، فيقطع عليها هناك بالزيادة، إذا قامت عليها الدلالة، ولسنا نريد أن تكون في كل موضع زائدة، هذا محال"5، وهي عشرة حروف تجمع في عبارة سألتمونيها.

- ما يقصده ابن جني في هذا التعريف، هو أننا ليس كل ما وجدنا حرفا من حروف سألتمونيها فهو زيادة، حيث نجد على سبيل المثال الفعل (سلم وأوى) كل حروفهما أصلية رغم أنها (س- ل- م – أ- و – ى) بل يقصد ابن جني أن ما زيد عن حروف الفعل الأصلية حرفا من سألتمونيها فهو زيادة، " وإلا لما احتجنا إلى تحديد المواضع ولحددنا الحروف وحدها"6

ويبقى الهدف هو معرفة الفرق بين الزيادة والأصل، لذلك قام اللغويون العرب بإنتاج ميزان صرفي يخولهم ذلك.


الميزان الصرفي:

للتفريق بين الزيادة والأصل، نهج القدامى مجموعة من القواعد من قبيل: " الهمزة زائدة إن تقع أولا وبعدها ثلاثة أحرف أصول، فإن كان بعدها أربعة أصول فالهمزة أصل، والكلمة بها خماسية-وإن كانت وسطا لم تزداد إلا بثبت…

الألف والياء والواو فالحكم عليهم أنه متى كانت واحدة منهن مع ثلاثة أحرف أصول فصاعدا ولم يكن هناك تكرير، فلا تكون إلا زائدة..

موضع زيادة الهمزة أن تقع أولا وبعدها ثلاثة أحرف أصول (فالهمزة زائدة ومثاله قولك أَفْعَل). 

التاء والنون: إذا جاءت التاء والنون في موضع يقابلان فيه أحد الأصول، حكم بأنهما أصلان، إلا أن يدل الاشتقاق على زيادتهما"7.


إلا أننا نرى أن هذا الميزان مجحف جدا على المستوى التعليمي، وقاصر وفق المستوى العلمي أيضا، ولكي نحصل على حل تطبيقي سلس للتفريق بين الأصل والزيادة فيكفي أن نأتي بالحروف الأصول (الجذر) على صيغة (فَعَل) ليس لكونها صيغة الفعل الماضي فقط، بل باعتبارها سمة للحروف الثابتة فاللغويون القدامى لم يقابلوها (الحروف الثابتة) فقط بفاء الفعل وعينه ولامه، "بل لفظوا به البتة8.

أي لفظوا بعبارة فَعَل، وبالاستفادة من النظرية المتعددة الخطوط لػولد سميث والتي عمل بها مكارتي في أطروحته 9، نقترح أن نعيد كل الأفعال الثلاثية المزيدة بكل صيغها إلى صيغة فَعَل ونبدأَ بتطبيق عقود الربط بين الفعل المجرد والمزيد، الصوت تلو الآخر وفق الاتجاه من اليسار إلى اليمين، تلقائيا إن كل عنصر غير مربوط فهو زائد حيث يبقى الحرف الزائد منعزلا ولن تتقاطع خطوط الربط باستثناء بعض الصيغ حيث يكون سبب التقاطع هو تغير مكان الصائت a الثابت على مستوى بنية الجذر الملفوظ " فَعَل".

نمذجة الميزان الصرفي

توضح الاشكال الآتية النمذجة التي اقترحناها للتفريق بين الأصل والزيادة: 

























 يتضح لنا جيدا أن في مثال سافر a زائدة وهي تمثل المد، وهو ما يصطلح عليه القدامى بالألف، وفي مثال دمرm  المكررة زائدة، وهي ما يصطلح عليه بالتضعيف ، وكذلك في مثال اندثر، in زائدة وهي الهمزة والكسرة والنون في حين النون وحده من يشكل الزيادة كون الألف أضيف فقط لاستئناف المقطع بمتحرك لأن العرب لا تبتدئ بساكن، وفي تكاتب ta، وa  زائدة  تمثل  aالمد ، وفي تَكَتَّب ta  و t التي تمثل التضعيف زائدة و في ارتبط i-t)') زائد، وكلها موسومة بعلامة (*)، وتناسب النمذجة أيضا بقية الصيغ الفعلية والاسمية الغير ممثل لها، ويتضح أنه من خلال بعض الأمثلة (صيغتا استفعَلْ و افعَلَّ) تقاطع خطوط الربط، وقد أشرنا سابقا إلى أن هذا التقاطع سببه تغير مكان الصائت a على مستوى بنية  فَعَل، وهذا محل محوج للدراسة.


إن العرب تعاملوا مع أحرف الزيادة على أنها حروف وهذا أمر مهم جدا يؤكد أن حروف الزيادة تشمل الأصوات لا الصوائت، ونحن نتعامل معها في هذه النمذجة على أساس أنها أصوات حيث ليس فقط لأننا لا يمكننا تخطي كل اجتهادات الدرس الحديث بل أيضا لأن التمثيل الصوتي مسعف جدا، خاصة في التمثيل للحركات، لأنه يعطي الحركة تمثيل قطعي بخلاف التمثيل العربي تكون فيه الحركة فوق قطعية.





تعليقات